مجموعة كتب للدكتور//د. علي محمد محمد الصَّلاَّبيَّ
بحجم 23.6 ميجا فقط
منها
1/ الحروب الصليبيةالتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]2/استشهاد الحسين بين الحقائق والاوهامللتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]3/الحسن بن على بن ابى طالبالتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]4/الايوبيون بعد صلاح الدينالتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]5/الدولة العثمانية عوامل النهوض واسباب السقوطالتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]6/السلاجقةللتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]7/ تسبيح ومناجاة وثناء على ملك الارض والسماءالتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]8/سلسلة فقهاء النهوضالتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]9/عمر المختارالتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]10/ عمر بن عبد العزيزالتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]11/ فقه النصر والتمكين فى القرآن الكريمالتحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]...................................................................
وده جزء من كتاب الحروب الصليبية الى ان اتمم رفع كل الكتب المذكورة فى ملف واحد ان شاء الله
الإستراتيجية الشاملة
لمناصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
دروس وعبر من الحروب الصليبية
د. علي محمد محمد الصَّلاَّبيَّ
الأهداء
إلى محبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشارق والمغارب.
إلى المجاهدين في سبيل الله بالأقوال والأفعال إلى كل مسلم حريص على إعزاز دين الله تعالى أهدي هذا الكتاب سائلا المولى عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يكون خالصاً لوجهه الكريم قال تعالى: "فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ويُشرك بعبادة ربه أحداً" (الكهف: 111)
د.علي محمد محمد الصَّلاَّبي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد الله، نحمده، ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله "يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" (آل عمران، آية: 102).
"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسه واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا" (النساء، آية: 1).
"يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا * يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنُوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً" (الأحزاب، آية: 70 ، 71).
أما بعد:
يارب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضى، هذا الكتاب "استراتيجية شاملة لمناصرة النبي صلى الله عليه وسلم دروس مستقادة من الحروب الصليبية" جزء من كتاب موسوعة الحروب الصليبية المسمّى "الحملات الصليبية، الرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، الأيوبيون بعد صلاح الدين" رأيت نشره على انفراد لتعمّ الفائدة حيث أنه يبين لنا دور الأمة في فهمها لمناصرة النبي صلى الله عليه وسلم وأسلوب علماء وفقهاء الإسلام للمناصرة في عهد الحروب الصليبية حيث كانت رؤيتهم، شاملة تناولت مفردات الصراع والتصدي للمشروع الصليبي الغازي، فكرياً وسياسياً، وعسكرياً، وإعلامياً، واقتصادياً، وثقافياً ... إلخ.
كانت موسوعتي عن الحروب الصليبية قد تحدثت عن جهاد المسلمين عسكرياً وسياسياً في عهد السلاجقة والزنكيين والأيوبيين، وجهود العلماء في تحريض الأمة وتعليمها وتربيتها على وجوب الجهاد والحرص على الشهادة في سبيل الله ولم يقتصر دور الأمة في المقاومة على القادة العسكريين والسياسيين فقط، بل العلماء والفقهاء والخطباء والشعراء والأدباء والتجار وعامّة المسلمين إلا إنني في الكتاب الرابع اكتشفت شيئاً جديداً، يضاف إلى الحروب والقتال والجهاد، إلا وهو الحوار، والمناظرات، والجدال مع الغزاة في عقائدهم، وكتبهم المقدسة، وأصول ديانتهم، فكان مبحث مستقلاً في الكتاب الرابع من الحروب الصليبية، تحدثت فيه عن الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية، فتكلمت عن أهم موضوعات دعوة المسلمين للنصارى، كالدعوة إلى التوحيد، واعتناق الإسلام، والإيمان بالقرآن الكريم، ومناقشة عقائدهم، كنقض الأمانة، واختلاف الأناجيل، ومناقشة قولهم في المسيح عليه السلام، وإبطال التثليث، ونفي الألوهية عن المسيح، ونفي بنوة المسيح لله سبحانه وتعالى، وإبطال الصلب ومناقشة شعائرهم وطقوسهم، كالتعميد والاعتراف وصكوك الغفران وأعيادهم، وصلاة النصارى وصيامهم وتشريع النصارى في الزواج ومناقشتهم في تركهم الختان، وتعظيمهم للصور والتماثيل، وحقيقة خوارق العادات لديهم وأهم الشبه التي أثاروها كدعوى أن القرآن ورد بتعظيم النصارى والثناء عليهم، وشبهاتهم في تعدد الزوجات في الإسلام ودعوى انتشار الإسلام بالسيف ودعوى عدم جزم المسلمين بصحة القرآن لاختلاف الصحابة في جمعه وتعدد قراءاته وانتقادهم للطلاق في الإسلام، ودعو أن المسلمين وثنيون كفار، وقد ذكرت جهود القائمين على دعوى النصارى في عصر الحروب الصليبية من القادة والولاة، وجهود صلاح الدين ونور الدين والملك العادل، ويوسف بن تاشفين في دعوى النصارى، ودور العلماء، مثل صالح بن الحسين بن طلحة الجعفري وأحمد بن إدريس القرافي، ومحمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي في قيادة المعركة العقائدية الفكرية الثقافية ضد الصليبيين، ووضحت وسائل الدعوة الإسلامية، من الكتب كالإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام للقرطبي، والأجوبة الفاخرة للقرافي، وطريق الجهاد، كالمشروع المقاوم الذي قاده نور الدين محمود الشهيد وصلاح الدين الأيوبي والملك العادل، والمرابطون والموحدون في الأندلس، ووسيلة الرسل، والمسجد والرسائل.
هذا وقد شرحت أساليب المسلمين في دعوى النصارى، كالأساليب العقلية، من السبر والتقسيم، وقياس الأولى، والقياس المساوي، والمحاكمات العقلية وأسلوب القلب وتناقض الخصوم وأسلوب المقاربة والاستدلال بمسلمات الخصم والأساليب العاطفية، كأسلوب الترهيب وأسلوب الاستهزاء والتهكم وأسلوب اللين والتلطف بالخطاب، وأسلوب القسم، والأساليب الفنية كأسلوب ضرب الأمثال، وأسلوب القصة وأسلوب التكرار، وأسلوب الاستفهام، وأسلوب التعجب، وأسلوب استخدام الشعر في تأدية بعض المعاني وبينت آثار دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية، كدخول أعداد كبيرة من النصارى في الإسلام وتأثر النصارى بعادات المسلمين، وأخلاقهم وتقاليدهم، وتحسن نظرة كثير من النصارى، وحسن معاملة النصارى لمن تحت أيديهم من المسلمين وظهور عزة الإسلام وتغير التكتيك الصليبي، وإعجاب بعض القادة الأوروبيين بالحضارة الإسلامية، واهتمام كثير من علماء الغرب بثقافة الشرق وتأثر النصارى باللغة العربية، وفقدان الثقة بالبابا ورجال الدين، ولخصت أهم الدروس والعبر والفوائد من دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية والتي من أهمها:
1- وجوب الحذر من خصوم الإسلام في كل زمان ومكان وإن تغيرت الوسائل وتنوعت الأساليب.
2- وجوب الدعوة إلى الله على بصيرة، ولا يكون ذلك إلا بوجود العلماء الربانيين.
3- أهمية التدرج في الدعوة وعدم استعجال النتائج خاصة في المجال الدعوي.
4- إن المقاومة الهادئة للغزاة على منهج سليم أساس النجاح والانتصار على الأعداء وتحصين الصف الداخلي.
5- للأقليات الإسلامية في ديار الغرب رسالة هامة، ولذلك علينا الاتصال بها وتقوية العلاقة بيننا وبينها لتحقيق المقاصد المرجوة على المدى البعيد.
6- إن ثبات المسلمين في ديارهم لمقاومة الغزاة من أهم أسباب بقاء الإسلام فيها، ومن ثم دحر العدو وهزيمته.
7- كان لحركة التأليف التي قام بها علماء المسلمين أثر كبير في تقرير عقيدة الإسلام وبيان السنة وإبراز محاسن الدين وإبطال شبهات الأعداء حوله بمختلف اللغات.
8- ظهر مبدأ التخصص في دعوة النصارى والتصدي لشبهاتهم وكان من أبرز العلماء القرافي والقرطبي.
9- إن الإلتزام بالإسلام وأحكامه له تأثير في نشر الإسلام وقبوله عند الآخرين.
10- خطورة الاختلاف والتناحر على الأمة وأثر الوحدة في عزتها وقوتها وهزيمة أعدائها.
11- عدم القنوط واليأس مهما كبرت الرزايا وكثرت الفتن.
وأحب أن أبين للقارئ الكريم في الوقت الذي كانت تجري فيه رحى المعارك الحربية بين المسلمين والصليبيين وكان هناك معارك أخرى بين الطرفين في صورة السجال الديني والجدل الثقافي، والردود، المتبادلة ومحاولة كل طرف إثبات أفضلية معتقده الديني وقد برز في هذا الجدال والسجال أعلام وقادة من أشهرهم القرطبي والخزرجي والقرافي وغيرهم فدافعوا عن عقيدة الأمة وثقافتها وتاريخها، وخلد الله ذكر مساعيهم وأعمالهم الحضارية الرائعة التي لا تزال آثارها إلى يومنا هذا، ونصر الله بهم الإسلام في المجال الفكري والدعوي والعقدي والثقافي، وتحقق بهم قول الله تعالى: "ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" (التوبة، 32).
وقول الله تعالى: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كـره الكافـرون"(الصف، آية: 9).
إننا في أشد الحاجة لمناصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مناصرة شاملة تليق بمقامه عند الله عز وجل وفق رؤية إستراتيجية متكاملة، وعلينا أن نخرج من موقع المدافع إلى الهجوم، حيث أنه خير وسيلة للدفاع، فلنحرص على هداية القوم ودعوتهم إلى الدين الصحيح والعقيدة السليمة وإلا فالحد الأدنى فلنشغلهم بأنفسهم.
إن لدينا رصيداً زاخراً وتراثاً عظيماً، مما خطه أئمة الهدي بمداد النور على صفحات الزمن يرشدنا إلى الطريق القويم والمنهج السليم لنصرة محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في كتابه قذائف الحق أن القوم لو شغلوا بنزهات دينهم ومضحكات عقيدتهم لأجهدناهم أي جهد، وشغلناهم كل مشغل ( ). وهذا الكلام صحيح، ولكننا نذهب إلى دعوتهم والحرص على سلامتهم والأخذ بأيدي الباحثين عن الحقيقة منهم إلى بر السلام ونعتمد في ذلك مبدأ الهجوم بالحجج والبراهين والأدلة على العقول، مع صدق وإخلاص في دعوتهم يغزو القلوب يقول أبو الحسن الندوي في تقديمه لكتاب رحمة الله الكيرانوي "إظهار الحق" مادحاً أسلوبه وخطته الهجومية: وهكذا ظهر هذا الكتاب إلى حيز الوجود ويمتاز بعدة ميزات منها: أن المؤلف آثر خطة الهجوم على خطة الدفاع، التي لا تزال أقوى وأكثر تأثيراً في النفس، فإنها تلجيء الخصم إلى أن يتخذ موقف الدفاع وأن يقف في قفص الاتهام، ويدافع عن نفسه وينفي التهمة، لذلك لما طبع كتاب العلامة رحمة الله الكيرانوي أثار ضجة كبرى في الأوساط النصرانية والأوروبية ناهيك عما كتبته صحف انجلترا تعليقاً على هذا الكتاب: لو دام الناس يقرأون هذا الكتاب لوقف تقدم المسيحية في العالم ( )وقد اشترى القساوسة كميات كبيرة من طبعات الكتاب، وأتلفوها، إحراقاً وإبادة، ليتغيب الكتاب عن السوق( ).
إننا اليوم في حاجة مآسة في إعادة النظر في التعامل مع المشاريع الغازية، سواء صليبية، أو غيرها ولابد من المواجهة الشاملة وترتيب الأولويات في ذلك، فالمشروع الصليبي الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي والإعلامي.. إلخ بداية هزيمته تحقيق انتصارات ساحقة في المجال الفكري والعقدي والحضاري وهذه تسبق الانتصارات العسكرية والسياسية، وقد فصلت ذلك في موسوعة الحروب الصليبية.
إنني أدعوا المسلمين للحفاظ على صورة الإسلام المشرقة عند عامة النصارى ودعوتهم إليه بالأساليب الحديثة، عبر الفضائيات، بالمناظرات، والدروس والخطب والمحاضرات واستخدام كل وسائل الإعلام الحديثة والممكنة، فعندنا ما نقدم لهم ولغيرهم من الأمم من عقيدة صحيحة وتصور عن الكون والحياة والإنسان والموت والجنة والنار والقضاء والقدر ومناحي الحياة من خلال الوحي المنزل على محمد حبيبنا صلى الله عليه وسلم.
إنني أدعوا بالاهتمام بإنشاء مراكز ومدارس مختصة لدعوة النصارى والتصدي لهم في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية والأماكن التي بها الدول الفقيرة وغيرها، وتحصين المسلمين بالعقيدة الصحيحة، والدين القويم، والقدرة على مناقشة عقائد النصارى، فهذا من مناصرة النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن دعم حركات المقاومة في العراق وفلسطين وغيرها من فقه المناصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعليم الأمة لدينها وتحصين شبابها وفتياتها بالمعرفة الصحيحة والثقافة السليمة من مناصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهذه الأفكار قابلة للنقاش والإنضاج والزيادة والنقصان حتى تبلور وفق رؤية لمشروع المناصرة للرسول صلى الله عليه وسلم.
هذا وقد انتهيت من مقدمة هذا الكتاب يوم السبت الساعة الحادية عشر وخمسة وعشرون دقيقة صباحاً من تاريخ 12/05/14296ﻫ - 17/05/2008م بالدوحة والفضل لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي لوجهه خالصاً ولعباده نافعاً ويشرح صدور العباد للإنتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إخواني الذين أعانوني من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع، ونرجو من كل مسلم يصله هذا الكتاب أن لا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادة الصالحين" (النمل، آية: 19).
وقال تعالى: "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" (فاطر، آية: 19).
وقال تعالى: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين" (الصافات: 180 – 182).
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وآخر
دعونا أن الحمد لله رب العالمين
الأخوة الكرام: يسرني أن تصل ملاحظاتكم وانطباعاتكم حول هذا الكتاب وغيره من كتبي من خلال دور النشر وأطلب من إخواني الدعاء في ظهر الغيب بالإخلاص لله رب العالمين، والصواب للوصول للحقائق ومواصلة المسيرة في خدمة تاريخ الأمة والمساهمة في النهوض بها.
Mail:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية:
إن من خصائص الدعوة الإسلامية عالميتها، وقد وردت آيات كثيرة تدل على ذلك منها:
- بعض الآيات التي ورد فيها لفظ "العالمين"
قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"(الأنبياء، آية: 107) أي : وما أرسلناك يا محمد بالشرائع والأحكام إلا رحمة لجميع الناس ( ).
وقال سبحانه: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً"(الفرقان، الآية:1): أي ليكون محمد لجميع الجن والإنس ( ).
- وقال تعالى "قل لا أسئلكم عليه أجراً إن هو إلاَّ ذكرى للعالمين" (الأنعام، آية: 90).
- وقال : "فأين تذهبون * إن هو إلا ذكرٌ للعالمين"(الكوثر،ن الآية: 26-27) إلى غير ذلك من الآيات ووجه الاستدلال لهذه الآيات ظاهر من جهة كون الإنس والجن هم المكلفون من العالمين، فالدعوة، إذن متوجهة إليهما ( ).
- بعض الآيات التي ورد فيها لفظ "الناس": قال تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" (الأعراف، آية: 158) أي قل يا محمد للناس كلهم "إني رسول الله إليكم جميعاً" لا إلى بعضكم دون بعض كما كان من قبلي من الرسل ( ) وقال أبو السعود. لما حكي ما في الكتابين من نعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف من يتبعه من أهلها ونيلهم لسعادة الدارين، أمر عليه الصلاة والسلام ببيان أن تلك السعادة غير مختصة بهم بل شاملة لكل من يتبعه كائناً من كان ببيان عموم رسالته للثقلين ( ) والآيات أيضاً، قوله تعالى: "ياأيها الناس قد جاءَكم برهان من ربكم "النساء، آية: 174) وقوله : "قل ياأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم" (يونس، الآية: 108) وقوله "هذا بلاغٌ للناس وليُنذروا به"(إبراهيم، آية : 52) إلى غير ذلك ووجه الاستدلال بهذه الآيات هو توجيه الخطاب في عموم الناس ( ).
وقال تعالى: " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً" (سبأ، الآية: 28) وغير ذلك من الآيات التي تدل على عموم الرسالة الإسلامية.
- الأحاديث التي تدل على عالمية الإسلامية: ورد الكثير من الأحاديث التي تدل على عالمية الدعوة الإسلامية منها حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكان النبي يبعث إلى قومه: خاصة وبعثت إلى الناس كافة ( )، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأرسلت إلى الخق كافة وختم بي النبيوّن ( )، وأيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله وسلم قال: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بن أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ( )، ودلت السنة كذلك على شمول دعوته صلى الله عليه وسلم للجن، فمن ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله: "فبأيّ ءالاء ربكما تكذبان" قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ( ). فهذا الحديث يدل على مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن، وقراءته القرآن عليهم، وإنصاتهم له، وإيمانهم بنعم الله سبحانه وتعالى عليهم والتي من أعظمها الإسلام ( )وفعله صلى الله عليه وسلم كذلك يدل على عالمية الدعوة، فبعد دعوته عليه الصلاة والسلام لقومه "وعشيرته الأقربين أخذ يعرض نفسه على القبائل في أسواق العرب وفي المواسم، فعن رجل من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف ذي المجاز يتخللها يقول :أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ( )، ثم إرساله الكتب والرسائل إلى الملوك والأمراء، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر، وإلى النجاشي وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى ( ).
- فعل الصحابة رضي الله عنهم بعده صلى الله عليه وسلم: فبعد وفاته صلى الله عليه وسلم واستلام أبي بكر رضي الله عنه الخلافة وبعد قضائه على فتنة الردة في السنة الحادية عشرة من الهجرة بدأ بالفتوحات الإسلامية نشراً للدعوة، حيث أرسل الجيوش إلى العراق ضد الدول الفارسية وإلى الشام ضد الروم، ثم متابعة ذلك من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث امتدت الدولة الإسلامية من حدود الصين إلى طرابلس الغرب شرقاً وغرباً، ومن أرمينية إلى اليمن شمالاً وجنوباً ولما ارتضى سبحانه وتعالى دين الإسلام للثقلين الإنس والجن، وكانت الدعوة الإسلامية متوجهة كما سبق إيضاحه، لذلك ميّز جلّ وعلا هذا الدين لكي يصلح لهذه العالمية بمميزات أهمها:
1- سلامته من التحريف بحفظ الكتاب والسنة : قال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون" (الحجر، آية: 9).
2- شموله الموضوعي والزماني والمكاني: والمقصود بالشمول الموضوعي أي وفاؤه بجميع حاجات الإنسان الاعتقادية والعملية قال سبحانه وتعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، فمن اضُطرَّ في مخمصة غير متجانفٍ لا إثم فإن الله غفور رحيم" (المائدة، آية : 3) وقال: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيءٍ" (النحل، آية: 89).
3- الوسطية : قال تعالى : "وكذلك جعلناكم أمّة وسَطَاً" (البقرة، آية: 143).
4- أنه دين الفطرة: فكل إنسان يولد مستعداً لقبول الإسلام مهيأ له قال صلى الله عليه وسلم: ما من مولد إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
5- الكمال، وكذلك الوضوح ( ).
أولاً: أهمية دعوة النصارى إلى الإسلام:
يمكن أن نبرز أهمية دعوة النصارى خاصة من خلال النقاط الآتية:
1- توجيه الخطاب في القرآن في كثير من الآيات لأهل الكتاب وتخصيصهم في ذلك أمراً لهم بالتوحيد أو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأو بياناً لتحريفهم الكلام عن مواضعه أو رداً على
شبههم أو غير ذلك ومن هذه الآيات قوله تعالى: قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" (آل عمران، آية: 64) وقوله تعالى: ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل" (آل عمران، آية :71) إلى غير ذلك من الآيات ولا شك أن النصارى من أهل الكتاب.
2- حث القرآن على مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن كما قال تعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتَّي هي أحسن" (العنكبوت، آية: 46) – بالجميل من القول وهو الدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه ( )، وذلك تقديراً لما عندهم من بقية أثر الرسل ( )
3- تخصيص القرآن للنصارى وتوجيه الخطاب لهم وذلك في قوله تعالى : "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه " (المائدة : الآية : 47)، قيل : هذا أمر للنصارى الآن بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ( ).
4- تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب في كثير من الأحاديث دعوة لهم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ( )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ( ).
5- تميز النبي صلى الله عليه وسلم لأسلوب دعوة أهل الكتاب بمراعاة التدرج حسب الأهمية وذلك في وصيته لمعاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن حيث قال له صلى الله عليه وسلم: إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فأدعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ... إلى أن قال فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ( ).
6- تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم للنصارى في الدعوة كما في قصة وفد نصارى نجران ( ).
7- عناية الإسلام بمعاملة أهل الذمة سواء يهوداً أو نصارى، فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة ذمة المعاهد، ووجوب الوفاء له قال صلى الله عليه وسلم: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً ( ) وحرم الإسلام ظلم المعاهد أو تكليفه فوق طاقته أو أخذ شيء من ماله بغير طيب نفس، لقوله صلى الله عليه وسلم : ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ( )، وأباح الزواج منهم وأحل الله طعامهم.
8- إن دين النصارى دين عالمي – بمعنى أنه يعده أتباعه ديناً للبشرية جمعاً، ولذلك ينشطون في الدعوة إليه، بعكس كثير من الديانات والمذاهب الأخرى التي يراها أتباعها دينا لهم وحدهم، ولذلك لا يسعون لنشرها، كاليهودية والهندوسية وعلى ذلك ففي دعوة النصارى واهتداء البعض منهم حد لانتشار النصرانية في مجتمعات غير نصرانية، ومن ثم إتاحة الفرصة لنشر الإسلام في مثل هذه المجتمعات.
9- كون النصارى ذوي قوة وكثرة وانتشار في الوقت الحاضر وكثير من المجتمعات غير النصرانية تسعى لتقليدهم ومتابعتهم منخدعة بما بلغوه من حضارة مادية وقوة عسكرية وبهداية هؤلاء النصارى أو البعض منهم وهم بهذا النفوذ بالنسبة للعالم سوف يكون في ذلك صلاح أقوام كثيرين كانوا يرونهم المثال لهم.
10- أن أكثر الشبه تثار حول الإسلام خصوصاً في الوقت الحاضر إنما هي من قبلهم وباهتداء البعض منهم فيه رد على مثل هذه الشبه.
11- إن اهتداء بعض النصارى يساعد كثيراً في فضح باطل إخوانهم السابقين في الديانة، لخبرتهم فيها، وما في ذلك من مساعدة للدعاة ودعم لجهودهم.
12- إن حروب المسلمين في أغلب فترات التاريخ الإسلامي كانت مع النصارى، كحروب المسلمين في الأندلس، وصقلية، والحروب الصليبية في الشام ومصر، بل لا تزال هذه الحروب مستمرة في بعض الجهات من العالم، وباهتداء بعض النصارى يساعد ذلك في كشف عدوان إخوانهم السابقين في الديانة وربما يساعد في إزالة ذلك العدوان ( ).
13- وبالإضافة إلى ما سبق، فإن النصارى أهل ملة سماوية قبل أن يطرأ عليه النسخ والتحريف وهي آخر الملل قبل رسالة الإسلام وفي كتبهم من البشارات بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا تصدى المختصون لإبراز هذه البشارات وشرحها فربما يكون ذلك سبباً في إسلام الكثيرين منهم، بل ويكون هؤلاء أيضاً عوناً في دعوة بني ملتهم السابقة ( ).
ثانياً: أهم موضوعات دعوة المسلمين للنصارى: اتجهت جهود المسلمين في دعوتهم للنصارى في هذه الفترة إلى معالجة الموضوعات الأساسية في الدين الإسلامي، وذلك بالدعوة إلى أصول الدين وأسسه التي لا يتم إسلامهم إلا بها، كالتوحيد، والتصديق بالقرآن، وقبول الإسلام بعمومه، والإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإقرار بنبوّة عيسى عليه السلام ونفي ألوهيته وإليك شيء من التفصيل:
1- الدعوة إلى التوحيد: كان أمر التوحيد أهم أمور العقيدة الإسلامية التي دعا المسلمون النصارى إليها في فترة الحروب الصليبية وذلك من خلال الدعوة المباشرة بالحث على توحيد الله سبحانه وتعالى ونفي الشريك عنه، أو من خلال إبطال عقيدة التثليث، أو من خلال نفي الألوهية عن المسيح عليه السلام ( )، وقد جعل العلماء دعوة النصارى إلى التوحيد هي أولى ما تصرف فيه الهمم، حيث بين ذلك القرآن في وأكد على أهمية إقامة الأدلة على وحدانية الله سبحانه وتعالى، ولهذه الغاية ألف كتاباً خاصاً بذلك سماه: أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية ( ). وكثيراً ما تتكرر الدعوة إلى التوحيد في ثنايا مناقشات العلماء المسلمين للنصارى وردودهم عليهم، فمن ذلك مثلاً دعوة القرطبي لصاحب كتاب تثليث الوحدانية إلى نبذ الشرك وتوحيد الباري سبحانه وتعالى، وبيان براءة عيسى عليه السلام من تثليث النصارى وأنه ما بلغهم إلا أن الله واحد فرد صمد لا شريك له سبحانه وتعالى ( ) وفي هذا السياق وبعد أن عرض الجعفري شيئاً من الأدلة على توحيد الله سبحانه وتعالى من التوراة والإنجيل وجه كلامه إلى النصارى قائلاً: .. فمن أشرك مع الله غيره فقد كفر بالتوراة والإنجيل ( )، وكانت دعوة النصارى إلى التوحيد بالإضافة إلى الطريقة المباشرة من خلال دعوتهم الصريحة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ونفي الشريك عنه كانت أيضاً من خلال إبطال عقائدهم الشركية المنافية للتوحيد وذلك بإبطال عقيدة التثليث لديهم وهدمها وإبراز تناقضها، وكذلك من خلال نفي الألوهية عن المسيح عليه السلام وإقامة الأدلة المختلفة على ذلك ( ).
2- الدعوة إلى اعتناق الإسلام بشكل مجمل: كان من موضوعات دعوة المسلمين للنصارى في هذا الفترة دعوتهم إلى اعتناق، أو من خلال ذكر الأدلة على صحته وبيان محاسنه، أو من خلال رد الشبه عن تشريعاته.
أ- الدعوة المباشرة إلى اعتناق الإسلام: ومن الأمثلة على ذلك دعوة صلاح الدين لأرناط الصليبي الذي نقض الصلح مع المسلمين، فغدر بقافلة مسلمة قادمة من مصر إلى الشام، فلما ناشده أصحابها الله وذكروه بالصلح الذي بينه وبين المسلمين رد بكلام يتضمن الاستخفاف برسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك لما علم صلاح الدين أقسم إن ظفر به ليقتلنه لاستخفافه برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جيء بهذا الصليبي مع الأسرى بعد معركة حطين في منتصف شوال سنة 583ﻫ ذكره صلاح الدين بما صدر منه ثم عرض عليه الإسلام فأبى فقتله ( )، والشاهد من ذلك هو عرض الإسلام على هذا القائد الصليبي ودعوته إلى اعتناقه ومثل ذلك عرض الإسلام على صاحب صيدا وقد شهد ذلك ابن شداد حيث قال : ... ولقد رأيته وقد دخل عليه صاحب صيدا بالناصرة، فاحترمه وأكرمه، وأكل معه الطعام، ومع ذلك عرض عليه الإسلام فذكر له طرفاً من محاسنه، وحثه عليه ( )ومن نماذج عرض الإسلام على النصارى في هذه الفترة ودعوتهم إلى اعتناقه استغلال صلاح الدين للقاءاته بوفود الفرنج لإيضاح محاسن الإسلام ثم دعوتهم إليه ( )، وقد بين الجعفري أن من أسباب تأليفه كتاب – تخجيل من حرف التوراة والإنجيل – هو دعوة النصارى إلى الإسلام، حيث قال : فعسى الله أن يقدر هداية بعضهم، ونحن مأمورون بدعائهم إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة ( ) وتكرر في ثنايا مناقشة القرطبي لكتاب أحد القساوسة النصارى دعوته لهذا القسيس إلى اعتناق الإسلام، ومن ذلك قوله: .. فالله الله، أدرك بقية نفسك قبل حلول رمسك، واستعمل عقلك، ولا تعول على تقليد فاسد، واتبع الدين القويم، دين الأب إبراهيم "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين" ( ) (آل عمران، آية: 67) وفي موضع آخر من مناقشته لهذا القسيس في كتابه : الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام بين له أنه لولا رجاء استنقاذه من الضلال إلى الهدى لما ناقشه، ولما أعطى الحكمة إلى غير أهلها، حيث يقول: ... فلعل مقلب القلوب يستنقذك من عبادة إله مصلوب، ويبدلك بها إخلاص العبادة لعلام الغيوب، ولولا رجاء ذلك لما كان ينبغي لي أن أعطي الحكمة غير أهلها ( ).
ب- الدعوة إلى الإسلام من خلال بيان محاسنه: اهتم العلماء المسلمون في عصر الحروب الصليبية ببيان محاسن الإسلام وسماحته لعل ذلك يكون للهداية واعتناق الإسلام ومن هؤلاء : القرطبي الذي عقد فصلاً في كتابه – الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام – مبيناً فيه محاسن الإسلام ومبرزاً الهدف من ذلك بقوله: الغرض من هذا الفن أن نبين فيه عقيدة الإسلام، وجملاً من أصوله وأحكامه، ومواضع من فروع دينه أنكرتها النصارى عليه، وإنما فعلنا ذلك لغرضين ( )، ثم وضح أن أحد الغرضين هو: .. إنه لا يبعد أن يقف على هذا الكتاب نصراني أو يهودي لم يسمع قط من ديننا تفصيلاً ولا تصريحاً، بل إنما سمع له سباً وتقبيحاً، فأردت أن أسرده على الجملة، ليتبين حسنه لمن كان ذكي العقل، صحيح الفطرة، فلعل ذلك يكون سبب هداه، وجلاء عماه ( )وبعد ذلك عرض القرطبي شيئاً من محاسن الإسلام من خلال ثلاثة جوانب هي:
- مراعاته لمصالح العباد في الآخرة: حيث جاءت تشر يعاته بإيضاح كل ما يتعلق بها مما يحتاج إليه العباد وغاية الوضوح، وتعبدنا الله سبحانه وتعالى بعبادة محصنة، كالصلاة والحج وغير ذلك تعظيماً له سبحانه وتعالى، وخضوعاً له بالظاهر والباطن ( ).
- مراعاته لمصالح العباد الدنيوية: فجاءت تشريعاته في هذا الجانب حماية للدين، والنفس والمال، والنسب، والعرض والعقل، ولأجل ذلك شرع العقوبات، وحرم كل ما يؤثر على هذه الضرورات كالغيبة، والقذف، وقول الزور، والغش والسرقة، وأكل أموال الناس بالباطل، وحرم الخمر لأنها تذهب العقل الذي هو مناط التكليف وغير ذلك من أنـواع الفساد ( ).
- اتمامه لمكارم الأخلاق: يقول القرطبي: .. وأما مكارم الأخلاق التي تضمنها شرعنا فلا تخفي على متأمل، وذلك أن شرعنا أمرنا بها ظاهراً وباطناً، ونهانا عن رذائلها وسفاسفها ( )ثم وضح القرطبي أمثلة على مكارم الأخلاق في الإسلام، هذه المكارم التي تسعى للتحلي بها كل نفس طاهرة، للخير، مبغضة للشر، فمن المكارم الظاهرة عدد القرطبي النظافة والطهارة والتطيب وتحسين الهيئة وقص الشارب، وإعفاء اللحية، وغير ذلك وبين أن من النظافة الباطنية التخلي عن مذموم الأخلاق كالغضب، والحسد، والبخل، ومهانة النفس، والكبر، والرياء والتحلي بالأخلاق المحمودة كالتوبة من المعاصي وحسن الصحبة والنصيحة والعدل، والتواضع، والإخلاص، والصبرن والصدق، والتوكل، ومحبة الله ورسله إلى غير ذلك ( ). وأخيراً أكد القرطبي على أن المتدبر لهذه المحاسن سيعلم من غير شك أنها حق من الله، وأن الذي جاء بها لا يجوز عليه الغلط والكذب، وعلى ذلك فلا يسعه إلا قبولها والإيمان بالذي دعا إليها وهو الإسلام ( ).
ج- الدعوة إلى الإسلام من خلال رد الشبه عن تشريعاته: قد يكون سبب عدم قبول الحق شبهة في ذهن المدعو، وبإزالة هذه الشبهة تزول العقبة ويتحقق القبول، وهكذا الحال مع النصارى فإنما كانت كثير من الشبة التي يثيرها بعض مضليهم مانعة من العلماء في فترة الحروب الصليبية للذود عن الإسلام بدحض الشبه التي يروج لها أئمة الضلال من النصارى ومن الأمثلة على ذلك رسالة أحد القساوسة إلى أبي عبيدة الخزرجي التي تتضمن الكثير من الشبه والمفتريات حول تشريعات الإسلام ورد أبي عبيدة الخزرجي التي تتضمن الكثير من الشبه والمفتريات حول تشريعات الإسلام، ورد أبي عبيدة على هذا القسيس داحضاً شبه ومفترياته ( )، ومثله القرافي الذي عرض كثيراً من شبه النصارى في هذه الفترة وأبطلها ( ).
3- الدعوة إلى الإيمان بالقرآن: أدرك العلماء في عصر الحروب الصليبية الخطر الذي تتعرض له الأمة من جراء تكاليف أعدائها عليها، خصوصاً النصارى وما يقومون به من حرب عسكرية وفكرية ضد الإسلام في هذه الفترة، وبالتحديد ما يثيرونه حول القرآن رغبة منهم في زعزعة ثقة الأمة بكتابها، لذلك اشتد عنايتهم بكتاب الله دفاعاً عنه أولاً، ودعوة لهؤلاء النصارى ثانياً، وذلك بتنفيذ مفترياتهم حوله، وتصحيح شبههم التي قد تمنع الكثيرين منهم من التصديق به ولا شك أن التصديق بالقرآن والإيمان به يعني الدخول في الإسلام واعتناقه، إذ أن القرآن والسنة بينا كل ما يتعلق بهذا الدين من عقائد وتشريعات يجب على المسلم الالتزام بها والقرآن قد أمر بالأخذ بالسنة، كما قال تعالى: "وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب"(الحشر، آية: 7) ومن ثم فإن تسليم النصارى بصحة القرآن وإقتناعهم بذلك، وقبولهم لأوامره ونواهيه، يعني نبذهم لما هم عليه من عقائد باطلة ودخولهم في الإسلام وكانت عناية الأمة في هذه الفترة بدعوة النصارى إلى الإيمان بالقرآن من خلال ما يلي:
أ- عناية القرآن بخدمة كتاب الله بشكل عام: من خلال المؤلفات في تفسيره، أو قراءته، أو إيضاح غريبه، أو بيان محكمة ومتشابهه، أو ما يتعلق بناسخه ومنسوخه، أو أحكامه أو إبراز فضائله، أو بلاغته، أو إعرابه إلى غير ذلك ولا شك أن هذه المؤلفات حول كتاب الله سبحانه وتعالى تساعد على فهمه وإيضاحه، ولا يخفى أثر ذلك في زيادة ترسيخ إيمان المسلمين بكتاب ربهم، ومن ثم صمودهم أمام شبهات أعدائهم من النصارى وغيرهم، كما أن هذه الدراسات حول كتاب الله قد تزيل غشاوة الجهل عن كثير من النصارى فيفهمون كتاب الله سبحانه، وقد يكون ذلك سبباً في إسلامهم ( ).
ب- عناية العلماء ببيان إعجازه القرآن الكريم بشكل عام وإبراز ذلك للنصارى بشكل خاص:
حيث اعتنى العلماء في هذه الفترة ببيان إعجاز القرآن بشكل عام، فظهرت مؤلفات قصرت الحديث على هـذا الجانب، ككتاب البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن ( )، وكتاب التنبيه على إعجاز القرآن ( )، ولا يخفى أن إظهار إعجاز القرآن له أثر كبير في إقناع غير المسلمين، لذلك أبرز بعض العلماء هذا الجانب للنصارى من خلال عدة أمور منها:
- إثبات إعجازه من خلال حفظه من التحريف والتبديل:
وهذا من أعظم الإعجاز، وما كان ذلك ليتحقق لو وُكل حفظه إلى البشر، حيث أشار القرافي إلى حفظ الله سبحانه وتعالى لكتابه، وذلك بتهيئة أسباب ذلك، من العناية بجمعه وألا يداخله غيره؛ حذراً مما وقع لأهل الكتاب، ثم نقله من السلف إلى الخلف نقلاً متواثراً، فصدق الله إذ يقول "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لله لحافظون"(الحجر، الآية: 9) ( ).
قال القرطبي حول هذه الآية "وإنّا له لحافظون" – من أن يزاد فيه أو ينقص منه ( )، وبين – رحمه الله تعالى – في كتابه الإعلام حفظ الله سبحانه وتعالى لكتابه مقابل التحريف والتبديل الذي جرى على التوارة والإنجيل ( )، ثم أورد أمثله على ذلك ( ).
- إثبات إعجازه ببيان فصاحته: وفي ذلك قال الخزرجي مخاطباً النصارى ومبيناً إعجاز القرآن بفصاحته، وأن العرب الأوائل – وهم الفصحاء – أقروا له بذلك: يلتفت إلى مقال العجم الجهلاء ( )، ثم وضع أن العرب وقت نزول القرآن وهم أشد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان منهم ما كان من سب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإيذائهم، بل وحربهم ما تكلموا في فصاحته، وقد جرى لهم التحدي أن يأتوا بمثله كما قال تعالى : "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً" (الإسراء، آية: 88)، فما استطاعوا ذلك، ثم كان التحدي بعشر سور كما قال سبحانه "قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات" (هود، آية: 13) حتى صار التحدي إلى سورة واحدة " قل فأتوا بسورة مثله"(يونس، آية : 38) ومع ذلك عجزوا ولن يستطيعوا لو حاولوا كما أخبر سبحانه : "ولن تفعلوا" وفي مناقشة القرطبي للنصارى في كتابه الإعلام بين أن فصاحة القرآن أمر لا يقبل الشك : حتى أن العاقل الفصيح إذا سمعه قال: ليس هذا من كلام البشر ( )، ثم وضح نماذج من إعجازه، كقوله تعالى: "خُذِ العفو وأمُر بالعرُف وأعرض عـن الجاهلين "(الأعراف؛ 199). وكيف أن هذه الآية لما نزلت قال أبو جهل : إن رب محمد لفصيح ( )، ثم لفت القرطبي النظر إلى جوانب من الفصاحة من هذه الآية، حيث تضمنت أحكاماً وتفسير الحلال والحرام، والإعراض عن أهل الجهل والأجترام والأمر بالتزام أخلاق الكرام، مع ما هي عليه من اللفظ الموجز الجزل الرصين ( )، ومثال آخر أورده القرطبي هو قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتائ ذِى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " (النحل، آية: 90).
وكيف أن الوليد بن المغيرة، لما سمع هذه الآية وهو من أفصح قريش وكان من أشد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وأن أعلاه لمثمر مورق وما يقول هذا بشر ( )، وقد جرت مناظرة بين أحد قساوسة بلنسية بالأندلس وأبي علي بن رشيق التغلبي، حول فصاحة القرآن، حيث بدأ القسيس يتكلم حول إعجاز القرآن، وأن العرب – وهم الفصحاء والبلغاء – عجزوا عن الإتيان بشيء مثله، وأن هذا التحدي باق إلى آخر الدهر فوافقه ابن رشيق على ذلك، بعد ذلك أفصح القسيس عما يريد الوصول إليه، فذكر كتاب المقامات للحريري مدعيا أن الأدباء والشعراء، عجزوا عن معارضته، وأن الحريري قد أنشد بيتين اثنين في إحدى المقامات وتحدى أن يعززهما أحد بثالث، وإن السنين انصرفت وما أتى أحد بثالث لهما رغم دَرْس الناس لتلك المقامات وتداولها بينهم، وانتهى إلى القول على ضوء ما سبق: أن ما أتى به الحريري كلام فصيح يصح أن يكون معجزة وليس هو بنبي، فإذا حصل ذلك فإن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تثبت بمسألة التحدى المنصوص عليه بالقرآن، فلما أخذ ابن رشيق يرد عليه بالأدلة والبراهين العلمية، أخذ القسيس يرد عليه بقوله: قد سمعت هذا وناظرني فيه فلان في تلك الأثناء انقدح في ذهن ابن رشيق بيت ثالث على شاكلة بيتي الحريري، فساقه للقسيس، الذي راح يفهمه لمن معه، وعند ذلك انقطعت حجة القسيس، وكـانت النتيجة كما يقول ابن رشيق: إنه انفصل عنهم وهم كالمسلمين في انقطاع شبهتهم ( ).
- إثبات إعجازه يلفت النظر إلى طريقة نظمه وأسلوبه الغريب:
وفي معرض مناقشة القرطبي للنصارى لفت أنظارهم إلى نظم القرآن وأسلوبه الغريب : ... والذي خالف به أسلوب كلام العرب، حتى كأنه ليس بينه وبينه نسب ولا سبب، فلا هو كمنظوم كلامهما فيكون شعراً موزوناً ولا كمنثوره فيكون نثراً عرياً عن الفواصل محروما، بل تشبه رؤوس آيته وفواصله قوافي النظم، ولا تدانيها، وتخالف آية متفرقات النثر، وتناويها، فصار لذلك أسلوباً خارجاً عن كلامهم، ومنهاجاً خارجاً لعادة خطابهم ( ) ثم ضرب للقرطبي مثالاً على ذلك موجهاً إلى النصارى وهو قوله تعالى: "وأذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقيا"(مريم، آية: 16 – 33) إلى قوله تعالى "والسّلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حَيَّاً"(مريم، آية : 16 – 33)، طالباً منهم التأمل في معاني هذه الآيات، ولافتاً أنظارهم إلى نظمها البديع المنيف الذي عجزت العرب عن معارضته( ).
- إعجاز القرآن بإخباره عن بعض المغيبات فتقع كما أخبر:
ومن ذلك بيان الخزرجي لأحد القساوسة النصارى أن من إعجاز القرآن إخباره عن بعض المغيبات فتحصل كما أخبر، حيث أورد العديد من الأمثلة منها قوله تعالى : " الم غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم* وعد الله لا يخُلفُ الله وعده ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون *" (الروم، آية: 1 – 6) فما كان بضع سنين حتى تحقق ذلك وغلبت الروم الفرس ( ).
ومثال آخر هو قوله تعالى: "لقد صدق الله رسوله الرُّءيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين محلقين رُءُوسَكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً"(الفتح، آية: 27) فصدق وعده فدخلوا مكة وتحقق الفتح القريب وهو فتح خيبر ( )ومن الأمثلة التي أوردها الخزرجي قوله تعالى: "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودُّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ( )" فيظفر المسلمون بالنصر على قريش في بدر، وما كذب خبر القرآن، وبعد عدة أمثلة ذكرها الخزرجي على ذلك خاطب النصارى متعجباً من عدم تصديقهم بالقرآن، وبمن جاء به رغم إعجازه، وذلك بقوله: ومن أعجب الأشياء أنكم تؤمنون بنبوة مريم وحنة وهما امرأتان، بلا كتاب ومعجزة، ولا ذكرنا في صحف الأنبياء، وتكفرون بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وله كتاب يعجز الإنس والجن ( )وأكد القرطبي في رده النصارى في كتابه الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام أن الأخبار عن المغيبات في القرآن فتقع كما أخبر به من وجوه إعجازه ( )، ثم عرض أمثلة كثيرة على ذلك ( ).
وفي هذا السياق قال ابن الأنبارى : فإنه لما كان لا يجوز أن يقع ذلك على وجه الإنفاق دل على أنه من عند علام الغيوب ( )، ثم أورده أمثلة عديدة على ذلك( ).
- إعجاز القرآن بإخباره عن بعض الأمم السابقة:
تحدث القرطبي عن وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم، وهو ما تضمنه من الأخبار عن الأمم السالفة التي يشهد العلماء بصحتها مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينل ذلك بتعليم بشري ( )، حيث أورد في رده على النصارى أمثلة على ذلك. خصوصاً ما كان يثيره أهل الكتاب في عهده صلى الله عليه وسلم من أسئلة ينزل القرآن مجيباً عليها، فما ينكرون منها شيئاً، مع شدة عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم على تكذيبه ومن ذلك: سؤالهم عن الروح وعن ذي القرنين، وعن أصحاب الكهف، وعن عيسى عليه السلام، وعن حكم الرجم، وعن ما حرم إسرائيل على نفسه، وغير ذلك من أمورهم، التي نزل القرآن مجيباً عنها فلم ينكروا منها شيئاً ( ).
ج- الدعوة إلى الإيمان بالقرآن من خلال رد الشبه التي أثيرت حوله:
وما أكثر الشبه والمفتريات التي أثارها ويثيرها أعداء الإسلام على القرآن، عبر التاريخ الإسلامي وأعداء الإسلام من النصارى في فترة الحروب الصليبية رددوا شبه من كان قبلهم، وافتروا غيرها طعناً في الدين، وإضعافاً للمسلمين، ويأبى الله إلا أن يتم نوره وقد تصدى علماء الأمة في فترة الحروب الصليبية للرد على مطاعن النصارى ومفترياتهم حول كتاب الله، كالقرافي، والخزرجي، وابن الأنباري، وابن رشيق التغلبي، وغيرهم ( ). ولا يخفى أثر إزالة الشبه في قبول الحق لدى من يمنعه من الهدى سوء فهم، أو تضليل معاند، يقول القرطبي في مقدمة نبذة كتبها عن محاسن الإسلام: .. إنه لا يبعد أن يقف على هذا الكتاب نصراني أو يهودي لم يسمع قط من ديننا تفصيلاً، ولا تصريحاً، بل إنما سمع له سباً وتقبيحاً فأردت أن أسرده على الجملة، لتبيين حسنه لمن كان ذكي العقل صحيح الفطرة، فلعل ذلك أن يكون سب هداه وجلاء عماه ( ).
س- الدعوة إلى الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم:
نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كانت ولا تزال أساس الحوارات والمناظرات التي تجري بين المسلمين وغيرهم، ففي الوقت الذي يسعى الدعاة المسلمون إلى الإقناع بصدقه صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته يسعى المعاندون إلى تكذيب ذلك بل وإثارة الشبه حول شخصه صلى الله عليه وسلم وحول رسالته، لذلك ما ترك علماء الأمة صغيرة ولا كبيرة في حياته صلى الله عليه وسلم إلا كتبوا عنها، وما غادروا شيئاً من أقواله وأفعاله إلا قيدوه وميزوا صحيحه من ضعيفه، فكتبوا في سيرته، ومغازيه، وأخلاقه، وشمائله، ومناقبه، وفضائله، وحقوقه ودلائل نبّوته، ومعجزاته، وهديه وصنفوا في أقواله وأفعاله فظهرت الموسوعات الحديثية كالصحيحين والسنن والمسانيد، والمصنفات، وغيرها من كتب الحديث، فصار القارئ في أي جانب من هذه الجوانب المتعلقة به صلى الله عليه