وجعلنا نومكم سباتا
وجعلنا نومكم سباتا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على افضل المرسلين، وعلى آله وصحبهِ أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد…
قال تعالى،
بسم الله الرحمن الرحيم
(( وَجَعَلنَا نَوْمَكمْ سُبَاتاً وَجَعَلنَا الليْلَ لِبَاساً وَجَعَلنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ))
(النبأ: 9-11)
وَجَعَلنَا نَوْمَكمْ سُبَاتاً
كان من تدبير الله للبشر أن جعل النوم سباتاً يدركهم فيقطعهم عن الإدراك والنشاط، ويجعلهم في حالة لا هي موت ولا هي حياة، تتكفل بإراحة أجسادهم وأعصابهم وتعويضها عن الجهد الذي بذلته في حالة الصحو والإجهاد والانشغال بأمور الحياة. فهذا السبات أي الانقطاع عن الإدراك والنشاط بالنوم، ضرورة من ضرورات تكوين الحي، وسر من أسرار القدرة الخالقة، ونعمة من نعم الله لا يملك إعطائها إلا إياه، وتوجيه النظر إليها على هذا النحو القرآني ينبه القلب إلى خصائص ذاته، والى اليد التي أودعته كيانه، ويلمسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر.
هدنة الروح
وفي النوم أسرار غير تلبية حاجة الجسد والأعصاب، انه هدنة الروح من صراع الحياة العنيف، هدنة تلم بالفرد فيلقي سلاحه وجنته ـ طائعاً أو غير طائع ـ ويستسلم لفترة من السلام الآمن، السلام الذي يحتاجه الفرد حاجته إلى الطعام والشراب. ويقع ما يشبه المعجزات في بعض الحالات حيث يلم النعاس بالأجفان، والروح مثقل والأعصاب مكدورة، والنفس منزعجة، والقلب مروع، وكأنما هذا النعاس ـ وأحياناً لا يزيد على لحظات ـ انقلاب تام في كيان هذا الفرد وتجديد كامل لا لقواه بل له هو ذاته، وكأنما هو كائن حي جديد حين يصحو… ولقد وقعت هذه المعجزة بشكل واضح للمسلمين المجهدين في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وامتن الله عليهم بها وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم: ((إِذ يُغشِّيكمُ النعَاسَ أَمَنَة مِنه…)) (الأنفال: من الآية11)، ((ثمَّ أَنزَلَ عَلَيْكمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَة نعَاساً يَغْشَى طائِفة مِنكم…)) (آل عمران: من الآية154)، كما وقعت للكثيرين في حالات متشابهة.
إِذ يُغشِّيكمُ النعَاسَ أَمَنَة مِنه…
يقول صاحب الظلال "إن قصة النعاس الذي غشى المسلمين قبل معركة بدر هي قصة حالة نفسية عجيبة، لا تكون إلا بأمر الله وقدرته وتدبيره، لقد فزع المسلمون وهم يرون أنفسهم قلة في مواجهة خطر كبير لم يحسبوا حسابه ولم يتخذوا له عدته، فإذا النعاس يغشاهم، ثم يصحون منه والسكينة تغمر نفوسهم، والطمأنينة تفيض على قلوبهم (وهكذا كان يوم أحد… تكرر الفزع، وتكرر النعاس، وتكررت الطمأنينة)، ولقد كنت أمر على هذه الآيات وأقرأ أخبار هذا النعاس، فأدركه كحادث وقع يعلم الله سره، ويحكي لنا خبره… ثم إذا بي أقع في شدة، وتمر على لحظات من الضيق المكتوم والتوجس والقلق في ساعة غروب، ثم تدركني سنة من النوم لا تتعدى بضع دقائق وأصحو إنساناً جديداً غير الذي كان… ساكن النفس، مطمئن القلب مستغرقاً في الطمأنينة الواثقة العميقة، كيف تم هذا؟ كيف وقع هذا التحول المفاجئ؟ لست ادري! ولكن بعدها أدرك قصة بدر وأحد، أدركها هذه المرة بكياني كله لا بعقلي، واستشعرها حية في حسي لا مجرد تصور، وأرى فيها يد الله وهي تعمل عملها الخفي المباشر، ويطمئن قلبي. لقد كانت هذه الغشية وهذه الطمأنينة مدداً من إمداد الله".
ويرسل الأخرى
وفي النوم يتعطل من النائم حسه الظاهر، فيكون كالميت الذي لا يستجيب لشيء مما حوله، ولذلك بين الله أن النوم جزء من وفاة الأنفس، وأنه وفاة دون وفاة الموت، إذ تعود الأنفس إلى الحياة الجسدية عند اليقظة، وأما الموت فهو وفاة تامة للأنفس، فقال الله في سورة الزمر، بسم الله الرحمن الرحيم: ((الله يَتوَفى الأنفسَ حِينَ مَوتِهَا وَالتِي لَمْ تمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ التِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمّى إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْم يَتفكرُونَ.)) (الزمر:42)، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يستوفى الآجال للأنفس التي تموت، وهو يتوفاها كذلك في منامها، وإن لم تمت بعد ولكنها في النوم متوفاة إلى حين، فالتي حان اجلها يمسكها فلا تستيقظ، والتي لم يحل اجلها بعد يرسلها فتصحوا إلى أن يحل اجلها المسمى، فالأنفس في قبضته دائماً في صحوها ونومها "إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْم يَتفكرُونَ".
نوم الليل ونوم النهار
والفرق كبير بين نوم الليل ونوم النهار، فلنوم الليل فوائد عظيمة حيث تنال أعضاء الجسم أضعاف ما تناله في نوم النهار المليء بالضوضاء والصخب وبالضياء القوي، وكلها مثيرات للجملة العصبية، ولقد اكتشف في السنوات المتأخرة أن الغدة الصنوبرية في الدماغ تقوم بإفراز مادة الميلاتونين، ويزداد إفراز هذه المادة في الظلام، بينما يثبط الضوء إفرازها وقد وجد أن للميلاتونين تأثير مباشر على النوم. والظلمة بما يرافقها من سكون الليل، وهدوء الحركات وتحرك النسيم اللطيف، ونور القمر الساحر الذي يبدد الوجوم، كلها عوامل تهيئ للإنسان احسن الظروف للسكن والراحة، وهكذا تظهر نواميس الحياة التي تهيمن على حركة الكون والخلق، وهي منطلقة من مصدر واحد وموجه واحد ومسير واحد، وإذا ما حاول الإنسان مخالفة سنة الحياة هذه، والحقيقة العلمية، بحيث ينام في النهار ويسعى في الليل فإنه معرض لأخطار صحية عديدة كالإرهاق العصبي، وضعف الحيوية.
وجعلنا الليل لباساً. وجعلنا النهار معاشا.
وكان من تدبير الله كذلك أن جعل حركة الكون موافقة لحركة الأحياء، وكما أودع الإنسان سر النوم والسبات بعد العمل والنشاط، فكذلك أودع الكون ظاهرة الليل ليكون لباساً ساتراً يتم فيه السبات والانزواء، وظاهرة النهار ليكون معاشاً تتم فيه الحركة والنشاط، بهذا توافق خلق الله وتناسق، وكان هذا العالم بيئة مناسبة للأحياء، تلبي ما ركب فيها من خصائص وكان الأحياء مزودين بالتركيب المتفق في حركته وحاجاته مع ما هو مودع في الكون من خصائص موافقات. وخرج هذا وهذا من يد القدرة المبدعة المدبرة متسقاً أدق اتساق!
حقائق مدهشة عن النوم
• الطفل الحديث الولادة يحتاج إلى النوم لمدة 16-20 ساعة في اليوم الواحد!.
• ينام الإنسان مدة من الزمن تصل إلى ثلث سنين عمره تقريباً!.
• عندما تكون نائماً فإن سمعك يكون حساساً بطريقة انتقائية مدهشة جداً، فالضوضاء العالية قد لا تتسبب في إيقاظك، ولكن الصوت الخافت الذي ينادي باسمك ممكن أن يجعلك تستيقظ في الحال!!.
• النوم يساعد الجسم على صيانة أعضاءه وأنسجته وخلاياه، ويساعد أيضاً على إعادة شحن مصادر طاقته!.
• بينما يكون الإنسان نائماً في الليل، فإن خلايا دماغه تعالج جميع المعلومات التي استلمت خلال النهار!.
• الإنسان الذي لا يحصل على حاجته من النوم فإنه لا يستطيع أن يؤدي أعماله بإتقان، ويكون اكثر عرضة للأمراض الجسمية والاضطرابات النفسية!.